عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 16/08/2007, 18h52
راضى راضى غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:6371
 
تاريخ التسجيل: novembre 2006
المشاركات: 1,014
افتراضي رد: مقال منقول عن الغناء الليبى

وتتميز ألحان وأوزان الأغاني بالبساطة ليسهل حفظها وترديدها من جميع الحاضرين في هذه المناسبة، فهي تعتمد على جملة موسيقية لا تتعدى في مداها اللحن فاصلة خماسية أي أن هذه مداها لا يصل إلى سلم موسيقي كامل .. وهذا القالب الذي يعتمد على لحن أساسي واحد يتكرر مع تجدد النص في الأبيات المتتالية يعتبر السمة الفنية الغالبة للأغاني الشعبية في كل مكان، وتختلف هذه الأغاني في طابعها وشكلها العام من منطقة إلى الأخرى في بلادنا ، فهناك أغاني الأفراح في واحات غات وغدامس وماحو لها يغلب على ألحانها السلم الخماسي ذو الجذور الأفريقية القديمة وتستعمل في مصاحبتها آلات الأمزاد ( الربابة الشعبية ) والغيطة والطبل والقانقا والبنادير ، وهناك أغاني الأفراح في واحات الجنوب والوسط تعتمد في ألحانها على مصاحبة آلات المقرونة (الزمارة ) والزكرة والدبدبة والطبل والدربوكة والبندير ، وهناك أغاني الأفراح في الجبل الغربي التي يصاحبها عازف على آلة الزفكرة وأربعة عازفين على آلة الدنقة .
وفي مدن الساحل الشمالي يغلب على أغاني الأفراح مصاحبة الدربوكة والبندير والتصفيق بالأيدي في أغاني النساء ، والزكرة والدربوكة والدبدحة والغيطة والنوبة في أغاني الرجال ، وأما في المنطقة الشرقية الممتدة من الخليج عبر الساحل الشمالي مروراً بالجبل الأخضر وفي البطنان فتسود ، أغاني الأفراح ، تقاليد التراث الغنائي البدوي الذي يعود في جذوره إلى تقاليد عربية قديمة تأصلت في هذه المنطقة منذ هجرة واستقرار بني هلال وبني سليم فيها ويشمل هذا التراث : المجرودة والشتّاوة والكشك ، وهي ألوان غنائية رجالية تعتمد في أدائها بالدرجة الأولى على الترديد الجماعي أو النداء والاستجابة لجمل إيقاعية بسيطة التنغيم تصاحب بالتصفيق بالأيدي.
ويصاحب الكشك الذي يعرف أحيانا بالصابية أو الصفاق ، رقصة تؤديها إحدى النساء ويشترط أن تكون متنقبة أي لا تظهر وجهها ورأسها ، تسمى الحجالة تعتمد في حركات رقصها على قوة تصفيق الرجال المشاركين في أداء الكشك على هيئة صف طويل ، وإلى جانب هذه الألوان الجماعية هناك العلم وهي أغنية فردية تعتمد على غناء بيت واحد موزون يحمل في معناه ما تحمل قصيدة كاملة من الأغراض الشعرية المعروفة وتؤدى أغنية العلم بدون مصاحبة موسيقية أو إيقاعية .
وتغلب على أغاني الأفراح في معظم المناطق المساهمة الجماعية من الرجال والنساء في إحيائها والقيام بمهامها المتعددة ، وقد يقوم بمهمة الغناء في هذه المناسبة فرق متخصصة من النساء والرجال كالزمزامات في طرابلس والطائفة في الجبل الغربي والحدادة في مرزق والزكار في ساحل الخمس وزليطن ومصراتة…

و غناء محلّي أصيل ظهر في مدينة طرابلس في أواخر القرن التاسع عشر اختلف عن الغناء التقليدي والغناء الشعبي في كثير من مظاهره الفنية مما جعله يتمتع بشخصية متميزة انبعثت من أصول وثوابت شعرية وغنائية وإيقاعية قديمة في هذه المدينة ، وقد حافظ هذا اللون على أصالته طول مسيرته الفنية بفضل مجموعة من الفنانين الروّاد الذين التزموا بالحفاظ على الأصالة الكامنة فيه وعلى الشخصية الفنية المستقلة له ، ويعتمد الغناء الطرابلسي على نص عامّي يتكون من مذهب ومجموعة أبيات ( كوبليهات ) يدور حول الغزل والوصف والهجر يفلحن غالباً في أحد مقامات الموسيقا العربية المتداولة في ذلك الوقت مثل الرست والبياتي والحجاز والسيكاه ، ويؤدى على إيقاعات محلية مثل العتبي والفزاني والعلاّجي والبر ول بمصاحبة آلات التخت العربي، وكان لانتشار ظاهرة حفظ وترديد تراث الغناء العربي من قصائد وأدوار وموشحات وأغان مصرية وشامية في طرابلس أثر كبير في نشأة هذا اللون من الغناء وازدهاره ، حيث اتجه عدد من الشباب المتحمس إلى تقليد هذا التراث ومحاكاته بإيجاد نمط من الغناء يتشابه معه في الشكل والمظهر ولكنه يختلف في المضمون … ومن بين هؤلاء الشباب : محمد عبيـه ، علي البونـي، محـسن ظافر ، مختار داقره ، الأمين امحمد حسن بي ، مختار شاكر المرابط ، خليل التارزي ، محمد سـليم ، محمد قنيوه ، سالم القنبري، احمد الخوجه ، العارف الجمل ، كامل القاضي ، علي الحـداد ، عثمان نجيم ، وبشير فهمي( 1 ) .

ومن بين العوامل التي ساهمت في ازدهار الغناء الطرابلسي افتتاح الإذاعات المسموعة في أواخر العهد الإيطالي عام 1936 وبداية عهد الإدارة العسكرية عام 1944 بمدينة طرابلس وتخصيصها أوقاتاً محددة يومية لبث وإذاعة الغناء الطرابلسي على الهواء مباشرة ، يضاف إلى ذلك قيام بعض الفنانين بالسفر إلى أوربا لتسجيل أعمالهم الغنائية في اسطوانات أسوة بفناني المشرق العربي في ذلك الوقت ، وكان الفنان كامل القاضي وفرقته الموسيقية أول من سافر لهذا الغرض إلى إيطاليا عام 1935 ( 1 ) .
ولعل من أهم العوامل التي كان لها دور كبير في ازدهار الغناء الطرابلسي وانتشاره تأسيس قسم الموسيقا بالإذاعة الليبية المسموعة التي افتتحت إرسالها لأول مرة عام 1957 من مدينة طرابلس وإسناد رئاسة هذا القسم إلى الفنان طويل العمر كاظم نديم أحد فناني الجيل الثاني حيث تتلمذ على يد رائد من رواد الأغنية الطرابلسية الفنان المرحوم عثمان نجيم عازف العود المشهور والملحّن المبدع ، وقد تأسس بهذا القسم أول فرقة موسيقية ليبية متكاملة ومجموعة صوتية ساهمت في تسجيل الأعمال الغنائية الطرابلسية القديمة والجديدة ؛ مما ساهم في تكوين رصيد غنائي كبير لمكتبة الإذاعة المسموعة الوليدة ، وأولت نشاطات قسم الموسيقا بالإذاعة في تسجيل ونشر الغناء الطرابلسي الذي تحوّل إلى غناء إذاعي وذلك بتشجيع كتّاب الكلمة والملحنين والمطربين للمساهمة في إثراء هذا المجال .. وكان من فرسان هذه المرحلة إلى جانب الرواد القدامى : كاظم نديم ، محمد مرشان ، محمد الدهماني ، محمد الكعبازي ، محمد الفرجاني ، حسن عريبي ، عبد اللطيف حويل ، سلام قدري ، محمود الشريف، محمد رشيد ، نوري كمال ، خالد سعيد، محمد السيليني .. ومن المؤلفين : علي السنّي ، ابن الطاهر ، بنت الوطن ، محمود السوكني .. وفي نفس الفترة الزمنية افتتحت الإذاعة الليبية قسماً للموسيقا بمدينة بنغازي ، العاصمة الثانية في ذلك الوقت ، وأسندت رئاسته إلى الفنان المرحوم علي الشعالية عازف القانون والملحن والمطرب المشهور الذي عاش فترة من عمره في مدينة طرابلس، اشتهر بأغانيه ذات الطابع الشعبي والذي عمل على تأسيس وإدارة النشاط الموسيقي في بنغازي، هذا النشاط الذي جاء مشابهاً للغناء الطرابلسي مع اختلاف اللهجة المحلية .. وقد تم تعاون كبير بين قسمي الموسيقا في طرابلس وبنغازي في تسجيل وإنتاج الأعمال الغنائية المشتركة وإقامة السهرات الغنائية في عديد المناسبات بالداخل والخارج ..
وهكذا استمر هذا الغناء المحلّي الذي ارتبط بالإذاعة المسموعة حتى بداية السبعينيات وبعد قيام ثورة الفاتح من سبتمبر حيث انصب نشاط قسم الموسيقا بالإذاعة الليبية في العهد الجديد على إنتاج وتسجيل الأغاني والأناشيد الوطنية التي حملت في البداية نفس الملامح لألوان غنائية جديدة عملت الثورة على دعمها وتشجيعها مما أدى إلى ظهور طائفة الفنانين الذين ابتعدوا عن الأصول والجذور القديمة واحلّوا محلّه لوناً غنائياً جديداً لم يحافظ أصحابه على الأصالة والشخصية المميزة التي كان يتمتع بها الغناء الطرابلسي .. وهذه سنّة التطور في الحياة عامة .. وكان من فرسان هذا اللون الجديد .. علي ماهر ، إبراهيم فهمي ،ومحمد حسن.

بقلم :عبد الله مختار السباعي.
[/COLOR][/SIZE]
رد مع اقتباس