التعاون بين فيلمون ووديع الصافي
لماذا لم يثمر التعاون الصافي - فيلمون وهبة ، وقد كانت لهما سبع محاولات لا بأس بـها إن لم اقل ناجحة ؟ هنالك اثنتان منها تردّدُ على كل لسان هي "حلوة وكذابة" و"بتروحلك مشوار" ، واذا جاز اعتبار "هالدلعونية" من روائج الوديع ، فقد باتوا ثلاثاً .
فيلمون بن سعيد وهبة (1918-1985) من مواليد كفرشيما ، راح يلحّن وهو بعد فتىً لمّا يتجاوز السنّ القانونية يعمل في إذاعة القدس ملحّناً ومغنياً . انتقل في أربعينات القرن الماضي الى إذاعة الشرق الأدنى حيث كان من المقدّر أن يلتقي وديعاً ، الذي كان طفق يغني في كلّ واد ، يتبعه مريدوه مشياً على الأقدام من بلد الى بلد . هناك ، في الإذاعة الأدنى ، بإدارة الموسيقي الفلسطيني صبري الشريف ، اجتمع في مطلع الخمسينات رهط من الموهوبين صنعوا في سنين معدودات ما يسمّى اليوم الأغنية اللبنانية ؛ ضمّ الرحبانيين وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وحليم الرومي ووديع الصافي وفيروز وصباح ونصري شمس الدين الى جانب فلمون وغيره . وقد إئتلف فلمون مع الباشا وناصيف والرحبانيين في "عصبة الخمسة" تحت رعاية بديع بولس صاحب استوديو الفنّ ونشطوا في تعزيز هذا البنيان الذي أضحى صرحاً في غضون عقد واحد .
ولد وديع ( 1921 - طولة عمر ) وفيلمون في نفس الحقبة الزمنية ونشآ صنوَين تربط بينهما أكثر من وشيجة وتعقد بينهما أكثر من آصرة . كما ونهلا من نفس المناهل وأوتيا مواهب التلحين والغناء والعزف والحضور المسرحي ، وعملا معاً طويلاً في الإذاعة وعاشا معاً دوّامة المرحلة ؛ بيد أنّ هذه البدايات الواعدة والقواسم المشتركة الأعظم لم تؤت ِ أكـُلـُها ولم تثمر طفرة في الأعمال المشتركة ؛ إذ لم يمنح فيلمون وديعاً ، أو قل أنّ وديعاً لم يأخذ من فيلمون سوى ألحان سبعة : بتروحلك مشوار ، تبقوا أذكرونا ، حلوة وكدّابة ، رايح عبيروت ، صبيّة يا صبيّة ، هالدلعونية ويا ريت يا قلبي يا ريت ، وقد سيقت أبجدياً !
وقد يعزى الأمر الى أنّ وديعاً كان في الغالب وبقي يلحّن لنفسه ما ينوف على تسعين بالمائة من أغانيه ، إلا أنّ هذا لم يحل دون تعاون بينه وبين محمد محسن وعفيف رضوان وزكي ناصيف وتوفيق الباشا على سبيل المثال ، رغم الفروق في غزارة الألحان بينهم وبين أنفسهم وبينهم وبين فيلمون .
سقت هذه المداخلة-السؤال مدخلاً لتقديم أحد ألحان فيلمون لوديع هي من لطائف ما منحه الأول للأخير ، من كلمات الشاعر طعـّان أسعد وقد قدّماها في "أيـّـام الصـيف" في كانون أول 1972 .
تبقوا أذكرونا
ابقوا اذكرونا كلّ ما الحسّون غرّد بحقلة شيح
دخلك بعزّ البرد يا كانون دفـّي حبيبي منيح
لما بيروح البرد بيصيرعنا الورد هونيك خليني
غرّد مثـل حسون ضـايع بحقـلة شــيح
دخلك بعزّ البرد يا كانون دفـّي حبيبي منيح
(موال)
بدنية وردكن زارع يميـني
وعدرب دراج ضيعته يميني
عليكم بالهوى لاحلف يميني
ما احكي غيركن بعد الغياب
تبقوا اذكروا ايامنا الحلوة وتذكروا السهرات
يا حلوة ال خصرها بيلوي وبيموج عالآهات
راح يتعبوا عيوني
توقـّي على عيوني
يا رموش ليلة صيف
غرّد يا هالحسون خلي الهوا تلاويح
ودخلك في عزّ البرد يا كانون دفـّي حبيبي منيح
تفضّـلوا
أخوكم
الفارابي